كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



من ذلك قولك: ضربت زيدا وأنت. ولو لم يكن زيد لقلت: قمت أنا وأنت، وقمت وأنت قليل. ولو كانت (إنا هاهنا قاعدين) كان صوابا.
وقوله: {أَرْبَعِينَ سَنَةً... (26)}
منصوبة بالتحريم. ولو قطعت الكلام فنصبتها بقوله (يتيهون) كان صوابا.
ومثله في الكلام أن تقول: لأعطينّك ثوبا ترضى، تنصب الثوب بالإعطاء، ولو نصبته بالرضا تقطعه من الكلام من (لأعطينك) كان صوابا.
وقوله: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ... (27)}
ولم يقل: قال الذي لم يتقبل منه (لأقتلنّك) لأن المعنى يدلّ على أن الذي لم يتقبّل منه هو القائل لحسده لأخيه: لأقتلنك. ومثله في الكلام أن تقول: إذا اجتمع السفيه والحليم حمد، تنوى بالحمد الحليم، وإذا رأيت الظالم والمظلوم أعنت، وأنت تنوى: أعنت المظلوم، للمعنى الذي لا يشكل. ولو قلت: مرّبى رجل وامرأة فأعنت، وأنت تريد أحدهما لم يجز حتى يبيّن لأنهما ليس فيهما علامة تستدلّ بها على موضع المعونة، إلا أن تريد: فأعنتهما جميعا.
وقوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ... (30)}
يريد: فتابعته.
وقوله: {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ... (32)}
جواب لقتل ابن آدم صاحبه.
وقوله: {وَمَنْ أَحْياها} يقول: عفا عنها، والإحياء هاهنا العفو.
وقوله: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ... (33)}
(أن) في موضع رفع.
فإذا أصاب الرجل الدم والمال وأخاف السبيل صلب، وإذا أصاب القتل ولم يصب المال قتل، وإذا أصاب المال ولم يصب القتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى «من خلاف» ويصلح مكان (من) على، والباء، واللام.
ونفيه أن يقال: من قتله فدمه هدر. فهذا النفي.
وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما... (38)}
مرفوعان بما عاد من ذكرهما. والنصب فيهما جائز كما يجوز أزيد ضربته، وأزيدا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع في «السارق والسارقة» لأنهما غير موقّتين، فوجّها توجيه الجزاء كقولك: من سرق فاقطعوا يده، فـ(من) لا يكون إلا رفعا، ولو أردت سارقا بعينه أو سارقة بعينها كان النصب وجه الكلام. ومثله وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما وفى قراءة عبد اللّه «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما».
وإنما قال (أيديهما) لأنّ كل شئ موحّد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا. ومثله إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما.
وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان:
اليدين والرجلين والعينين. فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يجوز تثنيتهما قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ ** كنوافذ العبط التي لا ترقع

وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان. وذلك أن تقول للرجلين: خليّتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قمصكما.
وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلّا في خلق الإنسان، وكلّ سواء. وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما كما قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ** فإنّ زمانكم زمن خميص

وقال الآخر:
الواردون وتيم في ذرى سبأ ** قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس

من قال: (ذرى) جعل سبأ جيلا، ومن قال: (ذرى) أراد موضعا.
ويجوز في الكلام أن تقول: ائتني برأس شاتين، ورأس شاة. فإذا قلت:
برأس شاة فإنما أردت رأسى هذا الجنس، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة قال الشاعر في غير ذلك:
كأنه وجه تركيّين قد غضبا ** مستهدف لطعان غير تذبيب

وقوله: {وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ... (41)}
إن شئت رفعت قوله: {سمّاعون للكذب} بمن ولم تجعل (من) في المعنى متصلة بما قبلها، كما قال اللّه: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وإن شئت كان المعنى: لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من هؤلاء ولا {من الذين هادوا} فترفع حينئذ {سمّاعون} على الاستئناف، فيكون مثل قوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} ثم قال تبارك وتعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} ولو قيل: سماعين، وطوّافين لكان صوابا كما قال: {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا} وكما قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ثم قال: {آخِذِينَ، وفاكِهِينَ، ومُتَّكِئِينَ} والنصب أكثر. وقد قال أيضا في الرفع: {كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى} فرفع {نزّاعة} على الاستئناف، وهى نكرة من صفة معرفة. وكذلك قوله: {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ} وفى قراءة أبىّ {إنها لإحدى الكبر نذير للبشر} بغير ألف. فما أتاك من مثل هذا في الكلام نصبته ورفعته. ونصبه على القطع وعلى الحال. وإذا حسن فيه المدح أو الذمّ فهو وجه ثالث. ويصلح إذا نصبته على الشتم أو المدح أن تنصب معرفته كما نصبت نكرته. وكذلك قوله: {سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت} على ما ذكرت لك.
وقوله: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ... (45)}
تنصب (النفس) بوقوع (أنّ) عليها. وأنت في قوله (والعين بالعين والأنف بالأنف) إلى قوله (والجروح قصاص) بالخيار. إن شئت رفعت، وإن شئت نصبت. وقد نصب حمزة ورفع الكسائىّ. قال الفراء: وحدّثنى إبراهيم بن محمد ابن أبى يحيى عن أبان بن أبى عياش عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ: (والعين بالعين) رفعا. قال الفرّاء: فإذا رفعت العين أتبع الكلام العين، وإن نصبنه فجائز. وقد كان بعضهم ينصب كله، فإذا انتهى إلى (والجروح قصاص) رفع. وكل صواب، إلا أن الرفع والنصب في عطوف إنّ وأنّ إنما يسهلان إذا كان مع الأسماء أفاعيل مثل قوله (وإذا قيل إن وعد اللّه حق والساعة لا ريب فيها) كان النصب سهلا لأنّ بعد الساعة خبرها. ومثله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ومثله وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ فإذا لم يكن بعد الاسم الثاني خبر رفعته، كقوله عزّ وجلّ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ وكقوله فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وكذلك تقول: إنّ أخاك قائم وزيد، رفعت (زيد) بإتباعه الاسم المضمر في قائم. فابن على هذا.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى... (69)}
فإن رفع (الصابئين) على أنه عطف على (الذين)، و(الذين) حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلمّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبا ضعيفا- وضعفه أنه يقع على (الاسم ولا يقع على) خبره- جاز رفع الصابئين.
ولا أستحبّ أن أقول: إنّ عبد اللّه وزيد قائمان لتبيّن الإعراب في عبد اللّه. وقد كان الكسائىّ يجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ** فإنى وقيّارا بها لغريب

وقيّار. ليس هذا بحجّة للكسائىّ في إجازته (إنّ عمرا وزيد قائمان) لأن قيارا قد عطف على اسم مكنىّ عنه، والمكنى لا إعراب له فسهل ذلك (فيه كما سهل) في (الذين) إذا عطفت عليه (الصابئون) وهذا أقوى في الجواز من (الصابئون) لأنّ المكنى لا يتبين فيه الرفع في حال، و(الذين) قد يقال: اللذون فيرفع في حال.
وأنشدنى بعضهم:
وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم ** بغاة ما حيينا في شقاق

وقال الآخر:
يا ليتنى وأنت يا ** لميس ببلد ليس به أنيس

وأنشدنى بعضهم:
يا ليتنى وهما نخلو بمنزلة ** حتى يرى بعضنا بعضا ونأتلف

قال الكسائىّ: أرفع (الصابئون) على إتباعه الاسم الذي في هادوا، ويجعله من قوله (إنا هدنا إليك) لا من اليهودية. وجاء التفسير بغير ذلك لأنه وصف الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى.
وقوله فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ... (45)
كنى (عن الفعل بهو) وهى في الفعل الذي يجرى منه فعل ويفعل، كما تقول:
قد قدمت القافلة ففرحت به، تريد: بقدومها.
وقوله (كفّارة له) يعنى: للجارح والجاني، وأجر للمجروح.
وقوله: {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً... (46)}
ثم قال (ومصدّقا) فإن شئت جعل (مصدّقا) من صفة عيسى، وإن شئت من صفة الإنجيل.
وقوله وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ متبع للمصدّق في نصبه، ولو رفعته على أن تتبعهما قوله (فيه هدى ونور) كان صوابا.
وقوله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ... (47)}
قرأها حمزة وغيره نصبا، وجعلت اللام في جهة كى. وقرئت (وليحكم) جزما على أنها لام أمر.
وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ... (49)}
دليل على أنّ قوله (وليحكم) جزم. لأنه كلام معطوف بعضه على بعض.
وقوله: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا... (53)}
مستأنفة في رفع. ولو نصبت على الردّ على قوله (فعسى اللّه أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده) كان صوابا. وهى في مصاحف أهل المدينة (يقول الذين آمنوا) بغير واو.
وقوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ... (54)}
خفض، تجعلها لعتا (لقوم) ولو نصبت على القطع من أسمائهم في (يحبهم ويحبونه) كان وجها. وفى قراءة عبد اللّه (أذلّة على المؤمنين غلظاء على الكافرين) أذلة: أي رحماء بهم.
وقوله: {وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ... (57)}
وهى في قراءة أبىّ (ومن الكفار)، ومن نصبها ردّها على (الذين اتخذوا).
وقوله: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ... (59)}
(أنّ) في موضع نصب على قوله: {هل تنقمون منا} إلا إيماننا وفسقكم. (أن) في موضع مصدر، ولو استأنفت {وإن أكثركم فاسقون} فكسرت لكان صوابا.
وقوله: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً... (60)}
نصبت {مثوبة} لأنها مفسّرة كقوله: {أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا}.
وقوله مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ (من) في موضع خفض تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها كما قال: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ولو نصبت (من) على قولك: أنبئكم (من) كما تقول: أنبأتك خيرا، وأنبأتك زيدا قائما، والوجه الخفض. وقوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} على قوله: {وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت} وهى في قراءة أبىّ وعبد اللّه (وعبدوا) على الجمع، وكان أصحاب عبد اللّه يقرأون {وعبد الطاغوت} على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسّرونها: خدمة الطاغوت. فأراد قوم هذا المعنى، فرفعوا العين فقالوا: عبد الطاغوت مثل ثمار وثمر، يكون جمع جمع.